لاحظت الحكومة أن البعض يتسممون بالجبن الأبيض، بسبب قذارة الأوعية التي يصنع فيها، أو بسبب مرض الماعز، فمنعت أكل الجبن!
*
ذلك أهون عليها من تفتيش أماكن صنع الجبن، أو من أخضاع الماعز للفحص الطبي..
*
وغداً تلاحظ الحكومة أن الخبز يؤذي، بسبب قذارة الأفران، فتمنع أكل الخبز…
*
وتلاحظ أن مياه بعض الينابيع ملطخة، بسبب قربها من المجارير، فتمنع الشرب…
*
وتلاحظ أنّ الهواء فيه غبار، بسبب تكنيس الشوارع في النهار، فتمنع التنفس…
*
وتلاحظ أن بعض الذين يحملون السلاح يعرضون الناس للخطر، فتمنع التجول…
*
وتلاحظ أنّ الناس لا يستطيعون النوم، بسبب البرغش، فتمنع النوم…
*
تلك أهون طريق للحكم!
فبواستطها تستطيع الحكومة أن تظهر أنها ساهرة على راحة الناس، دون أن تكبد نفسها عناء العمل من أجل تلك الراحة..
*
“والمصلحة” متبادلة بينها وبين الناس:
لأنها إذا ظلت تلاحظ ما يؤذيهم أو يهددهم أو يتعبهم، وتمنعهم عنه، إستطاعت أت تتمتع بالراحة الكاملة،
وأن تجعل الناس يتمتعون بالراحة الأبدية…
*
…ولكننا نحمدالله على أن قوة الملاحظة عندها لها حدود،
وقوة المنع أيضاً لها حدود…
*
ونحن، من خارج حدود هذه وحدود تلك، ما برحنا نأكل ونشرب ونتنفس…

(رشدي المعلوف في ١٢ تموز ١٩٥٥)