بين “بادوا” و”روما” *…

في أوائل النهضة الفنية الكبرى في إيطاليا، وجد نحات عظيم إسمه “دوناتيللو”.

وكان هذا النحات يعيش في قرية صغيرة إسمها “بادوا”. إلا أنّه، في يوم من الأيام، هجر قريته فجأة إلى “روما”! فلما سئل لماذا ترك “بادوا” أجاب:

“الجميع في “بادوا” يمدحونني، ويرون أنني بلغت الكمال. وهذا ما يمنعني من التقدم.

لذلك أحببت أن أذهب إلى مكان فيه أناس يرون نواحي النقص في، وينتقدونها، فأستطيع أن أسير نحو الكمال!”

*

…وكثيرون من حكامنا، الذين تضيق صدورهم بالنقد في هذه الأيام، يجب أن يعرفوا قصة “دوناتيللو”

*

فالذين يحيطون بهم، أكثرهم من نوع سكان “بادوا”: “يرون” فيهم الكمال، ويمدحونهم، فيمنعونهم من التقدم… ويمنعون البلاد، التي أنيطت بهم مقدراتها، من التقدم أيضاً..

إذ إنه، لكي “يتقدموا”، أن يعرفوا ماذا يقول عنهم كبار “الفنانين” في “روما”..

*

ولما كان من الصعب عليهم أن يتركوا “قريتهم” بادوا، حتى إلى “روما” فإنني أنصحهم بأن يسمحوا “لروما” بأن تذهب إليهم في “قريتهم”…

*

“وروما” هنا هي الصحافة التي تعرف أن واجبها إنتقاد الأخطاء، لا مدح الحسنات…

*

لأن الحكومة، عندما تحسن العمل، تكون قد قامت بواجبها.

وسكوت الصحافة عنها، في هذه الحالة، هو المدح.

*

بينما هي، عندما تخطئ، تكون قد قصرت، وعند ذلك يأتي دور “فناني روما” لإبداء ملاحظاتهم..

*

فليتفضل حكامنا، ويوسعوا صدورهم لغير أهل “بادوا” إذا هدفهم الكمال…

(١٧ آذار ١٩٥٤)

* إثر حملة حكومية على الصحف المعارضة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *