الدبق ممنوع*!..

العصفور أخف المخلوقات دماً، وأكثرها نفعاً!
*
إذا رفرف على الغصن رفرف معه الإنس،
وإذا غرد وطار طار معه الهم!
لونه فن، وصوته فن!
وهو، لفرط ذوقه ومحبته، يحفظ بيننا وبينه المسافة التي تكفينا للتمتع بجمال لونه وصوته: لا يبتعد كالنسر، ولا يقترب كالدجاحة…
بأكل من الحشرات ما يؤذينا،
ولا يأخذ من دربنا شيئاً يمكننا أن نستفيد منه!
حنانه عظة لنا،
وحكمته الغريزية مثل أعلى في الإجتماع والعمران!
*
… ولقد إكتشف العالم المتمدن حسنات هذا الصديق الصغير الغالي،
فوضع التشريعات لحراسته،
وأصبحت عنده تقاليده في تدليله وإكرامه والمحافظة عليه.

وباتت شعوب العالم المتمدن، إذا سمعت بأن هنالك أناساً يأكلون العصافير، تدهش أكثر مما ندهش
نحن عندما نسمع بأن هنالك قبائل تأكل لحوم البشر!
وباتت ترى أنّ من يحوّل هذا الكنز من الخير والأمل إلى لقمة تغنيه عنها حبة زيتون، هو وحش في نظر الرأي العام، ومجرم في نظر القانون!
*
… وأما عندنا فالمجزرة مستمرة:
في ما يسمح به القانون، وهو الصيد،
وفي ما يمنعه، وهو “الدبق”!
*
ولست “أطمح” هنا إلى إقناع الحكومة تغيير القانون لمنع صيد العصفور، وقد ثبت أنها “شديدة المراس” ضد كل إقتناع يحتاج إلى شعور رقيق وإدراك عميق،
ولكنني أطالبها بتطبيق القانون فيما يتعلق “بالدبق”: فالدبق ممنوع! ومع ذلك فإن ألوف العصافير يقف تغريدها يومياً من حوالي بيوتنا، بسبب الدبق الذي يحوّل وفاء الشجرة إلى غدر، ورحابة صدرها إلى قبر، ثم تباع في المدينة “لآكلة لحوم العصافير”، فلا تصطدم هذه الجريمة المتمادية بواحد من المسؤولين عن تنفيذ القوانين!..

                                                          (رشدي المعلوف في ٣١ آب ١٩٥٤)

* عندما إمتلأت أسواق بيروت بباعة العصافير

 

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *