دولتنا إشاعة…

أنا “أتحدى” من يستطيع أن يذكر لي شيئاً في لبنان يدل على وجود دولة:

ما عدا كثرة الموظفين، طبعاً…

*
ففي بلدان الدنيا، كيفما تحرك المرء يشعر بوجود دولة:
النظام الدقيق، يذكره بالدولة،
النظافة التامة، تذكره بالدولة،
وسائل النقل ذات الأسعار المحددة، تذكره بالدولة!
*
الطرقات الممتازة،
الكهرباء القوية،
المياه الغزيرة،
الحدائق الغناء، الشجر، العشب، الأزهار، كل هذه تذكره بالدولة…
*
مصارف التسليف العقارية، والزراعية والصناعية، قوانين الضمان الإجتماعية،
الطمأنينة الصحية،
الصراحة السياسية،
التعليم المجاني،
الأمن، الرفاه، العمل،
كل هذه تذكره بأن الدولة موجودة…
*
أما عندنا فالدولة إشاعة..
*
…على أن هذا لا يعني أننا لا نتذكرها كما تتذكر سائر الشعوب دولها! فنحن “نتذكرها” في “مناسبات” عدة:
“نتذكرها” كلما وقعنا في حفرة، وكلما وصلنا إلى مكان ليس فيه ماء،
وكلما رأينا كهرباء ليس فيها ضياء…
“ونتذكرها” كلما دفعنا أقساط أولادنا المدرسية،
وكلما إشترينا دواء،
وكلما هاجر فوج منا،
وكلما رأينا جبلاً أقرع،
وكلما ركبنا تكسي،
وكلما طلبنا مخابرة،
وكلما سمعنا إطلاق النار في حفلة…
*
ولكننا “نتذكرها” لا لنشكر الله على كونها موجودة، بل لنرتكب أمام الله “خطيئة جديدة”…

(رشدي المعلوف في ٢٩ تموز ١٩٥٤)

 

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *